مهلا...................ابو الغيط

جرى العرف أن لا يكتب الديبلوماسيون مذكراتهم وأوراقهم الخاصة عن
فترة وجودهم في العمل إلا بعد مرور سنوات تكون كافية لغياب الحساسيات
الخاصة بالوقائع والأحداث وأسرار الدولة ، وهذا ما تجاهله أحمد أبو الغيط
وزير الخارجية الأسبق عندما سارع بكتابة ونشر مذكراته في الصحف ثم في كتاب
وذلك قبل مرور أقل من عامين على خروجه من الخدمة وتركه منصبه كوزير لخارجية
مصر ، فما الذي دفع أبو الغيط إلى هذا "التهور" والخوض في مشكلات سياسية
وديبلوماسية ما زالت حية وتمثل جزءا من صراع السلطة في مصر ، بكل وضوح
يحاول أبو الغيط أن ينجو بنفسه من أي ملاحقة قضائية محتملة ، كما يريد أن
ينفض يديه من أي مسؤولية عن الأخطاء والخسائر الفادحة التي حدثت في مصالح
مصر الإقليمية والدولية والأفريقية أثناء توليه منصبه ، كما يريد أن يفلت
من جرائم النظام فيما وقع لقطاع غزة ، أيضا يعرف أحمد أبو الغيط أنه جزء
جوهري من نظام مبارك وشريك له في كثير من أخطائه وخطاياه ، وخاصة تلك
المتعلقة بخطف معارضين للنظام في الخارج لسحلهم أو دفنهم في القاهرة ، ومن
ثم أراد أن يستبق خصومه بخطوة متقدمة بالهجوم حتى يقطع الطريق على أي
ملاحقة قد تحدث له ، وأبو الغيط حاول أن يجمل مبارك ، ويصفه بالوطني
والنظيف ، وهو في ذلك يريد أن يدين الثورة المصرية ويشوهها أو يسرق
مشروعيتها، لأنه إذا كان مبارك وطنيا ومحترما إلى هذا الحد فإن خصومه
والثائرين عليه هم الذين نزعت منهم تلك الصفات ، وأبو الغيط لا يدافع عن
مبارك حبا لمبارك ، فمبارك نادرا ما تجد أحدا يحبه أو يحب هو أحدا ، تلك
طبيعته بشهادات كثيرة من الذين عملوا بالقرب منها ، ولكن أبو الغيط يدافع
عن نفسه بدفاعه عن مبارك ونظامه .
لم يكن أبو الغيط وحده الذي افتتح هذه المراجعات أو المذكرات ، فهناك
الدكتور مصطفى الفقي الذي يقدم برنامج باسم "سنوات الفرص الضائعة" ، وأنا
لا أعرف أنه كانت هناك فرص أصلا لكي تضيع ، فقد كان نظام مبارك ماهرا في
صناعة مجتمع عقيم ودولة عقيم ، بل كأن هوايته الأساسية كانت وأد المبادرات
ودفن الأفكار وقطع الطريق على أي فرص للنجاح الحقيقي ، لأنه كان عدوا
للكفاءات وعدوا للمواهب وعدوا لأجواء الحرية في كل مجال ، كما أن مصر كانت
قد انحسرت عنده في مصالح أسرته الصغيرة ، وكان بقاؤه في الكرسي هدفه الأول
والأسمى هو تحقيق مصالح تلك الأسرة الصغيرة وتعزيز نفوذها في البلاد على
أمل أن ترثها من بعده ، كما أن الفقي الذي فعل كما فعل أبو الغيط بالضبط
عندما قفز من سفينة مبارك التي كانت تترنح في أيامها الأخيرة ، أحدهم بترك
الوزارة والآخر بالانسلاخ من الحزب الوطني ، يتصور أن الناس تنسى ، ولا
يدرك أن المصريين بعد الثورة يختلفون جوهريا عنهم قبلها ، ولا يمكن أن
يخدعهم كاتب خطب الطاغية بالحواديت الفارغة والقصص المنسوجة من محض الخيال
مهما كانت براعته في حشوها ببعض الوقائع المعروفة وعديمة القيمة .
الوقت مبكر جدا يا أبو الغيط حتى تحكي وتبرر وتزور التاريخ ، وإذا نجحت
في الإفلات الآن ، فلن تفلت من لعنة الأجيال التالية عندما تتكشف كل
الحقيقة .

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
			1	2	3	4
5	6	7	8	9	10	11
12	13	14	15	16	17	18
19	20	21	22	23	24	25
26	27	28	29	30	31

مهلا...................ابو الغيط

مهلا...................ابو الغيط

مهلا...................ابو الغيط :: تعاليق