مصر فوق منصب الرئيس

مع الإعلان الرسمي لنتيجة الانتخابات الرئاسية وإسدال الستار علي أول و"أشرس" معركة انتخابية لاختيار رئيس مصر أعرق حضارة وأقدم إدارة علي وادي النيل.
أرجو ألا أكون رومانسياً أو حالماً أدعو لأن يتقدم فارسا السباق الخاسر قبل الفائز يصافحان بعضهما البعض أمام الشعب عبر الشاشات والفضائيات التي نقلت خلال الأسابيع القليلة الماضية فاعليات هذه المعركة بكل إيجابياتها وسلبياتها.. وذلك كما يحدث في كل الدول الديمقراطية المتقدمة في العالم.. بروح رياضية ونفس راضية باختيار الشعب وإرادته في ترجيح كفة مرشح علي آخر مهما زادت أو قلت نسبة الفوز.. فهذه المبادرة الشخصية الإنسانية هي القاطرة الرئيسية في العملية السياسية والقبول والرضا الشعبي العام تحقيقاً للوئام والمصالحة الوطنية بين كافة أطياف المجتمع وقواه السياسية.. ودرءاً للخطر الذي يمكن أن يتسلل إلي جنبات المجتمع لأغراض داخلية أو خارجية تسعي لمصالح وأغراض ذاتية ضيقة علي حساب المجموع الوطني ومصلحة الوطن الباقي.. الهدف والوسيلة الذي هو أكبر من الجميع.. ولاسيما أن مثل هذه السباقات الرئاسية وغير الرئاسية في العملية الديمقراطية هي وقفات ومحطات مؤقتة.. ليست هي آخر المطاف.. وإن من لم يسعده الحظ بنبل ثقة الشعب هذه المرة يمكن أن ينالها في فرصة أخري قادمة.
لا بأس.. الكل يسعي ويجتهد ويبغي المصلحة للوطن.. كل بطريقته وأسلوبه.. ولعل الأهم من ذلك كما يحدث في دول العالم المتقدم بين القوي والتيارات والأحزاب السياسية هو ما يسمي هناك بأحزاب التكيف.. فالمعارضة السياسية لا تعني هدماً أو خرقاً للنظام أو معارضة من أجل المعارضة.. ولكنها معارضة بناءة قائمة علي المواءمة والتجانس والتكامل من أجل المصلحة العامة.. بعيداً عن الذاتية والشخصنة التي للأسف مررنا بها طوال الفترة الانتقالية الأخيرة التي نرجو أن نفرغ منها سريعاً لتجنيب الوطن المزيد من الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع قناعتنا بأن للحرية والديمقراطية ثمنا يجب أن ندفعه.. ولكن هذا الثمن يجب أن يكون بقدر وبتقدير لصعوبة أوضاعنا وتحديات تواجهنا مع شعب يبلغ تعداده ما يقارب التسعين مليون نسمة.. يريدون حياة كريمة.. طعام وشراب وعلاج وتعليم وإسكان ونقل ومواصلات وتشغيل لشباب وأجيال جديدة تخرج للحياة تبحث عن استحقاقاتها في العيش الكريم.
بعيداً عن الرومانسية الحاسمة والمصافحة بين الفارسين.. نطالب فقط بأهمية وجود مصالحة وطنية بين كل أطياف الشعب المصري بعد أن تم الانتهاء من هذه الانتخابات الرئاسية وبدء عملية تسليم السلطة من قواتنا المسلحة ومجلسها العسكري الذي أدي مهمته الوطنية علي أفضل ما تكون كعادتنا به دائماً حارساً وراعياً للوطن حرباً وسلماً.. ولكي يعود إلي مكانه الطبيعي في ثكناته يمارس اقدس مهمة في حماية حدود الوطن وأمن البلاد من الطامعين والمتربصين بأرض الكنانة..إن الرضا بنتيجة الانتخابات وتحمل مسئولية الاختيار وضرورة العمل علي تخطي المرحلة الحالية هو نقطة فاصلة في تاريخنا لكي يقوم وطننا من جديد.. ذلك لأننا تأخرنا كثيراً.. وليس هناك وقت لنضيعه وأظن أن المصريين بوعيهم وحكمتهم ورجاحة فكرهم وطيب أنفسهم سوف يفوتون الفرصة علي الحاقدين والمتربصين لكي تعود مصر قوية عفية في الداخل والخارج بقيادة فارس جديد نبيل يري الله في وطنه وأهله وشعبه.
***
برلمان غير مأسوف عليه
ذهب مجلس الشعب المنحل غير مأسوف عليه.. فكان هذا الرحيل المفاجئ هو نتاج ممارسات سياسية خاطئة وقع فيها حزب الأكثرية الذي خيب ظن من اختاره كبديل جديد يحمل من القيم والمبادئ ما يمكن أن يكون تعويضاً لهم عن سنوات عجاف مع حزب سياسي سابق مارس أسوأ عمليات التسلط والانتهازية والاقصاء للمعارضة فإذا بهذا البديل يسير علي نفس النهج الأحمق في الاستحواذ والتكويش إضافة إلي فقدان الخبرة والأخطر هو عدم الرغبة في التعلم والاكتساب لخبرة العمل السياسي كحزب سياسي حاكم له شروطه وآلياته وأدواته التي بالتأكيد تختلف عن كونه كحزب معارض قد يكون اكتسب خبرته في هذا المجال علي مدي سنواته الطويلة في هذا الموقع المسترخي علي الماء وليس القابع في النار!
ولكن للأسف الشديد الذي أصابنا نحن المصريين هو تلك الكلفة الباهظة لهذا البرلمان الذي عقدنا عليه الأمل وأطلقنا عليه برلمان الثورة. يقال إن تكلفة العملية الانتخابية لهذا المجلس حوالي مليار و200 مليون جنيه علاوة علي مشقة انتخابه علي مدار ثلاث مراحل لكل مرحلة منها مرحلة إعادة في عملية شاقة امتدت علي مدي شهرين.
لاشك أن قرار حل هذا المجلس غير الدستوري توقعه كثيرون.. ليس فقط من الخبراء والفقهاء القانونيين والدستوريين ولكن كثير من السياسيين أصحاب الخبرة في العمل السياسي الذين لمسوا في أدائه قصوراً وضعفاً وفقداناً للخبرة.
أذكر منهم بأمانة الناشط السياسي جورج إسحاق في مداخلة تليفزيونية معه حيث ذكر في "إيفييه" رادع وبصورة ساخرة "إنهم هيروحوا قريباً"!!
وقتها منذ الشهر الأول في عمر هذا المجلس ساءلت نفسي هل هذا يمكن أن يحدث أم أن الرجل "يمني" نفسه بهذا الأمر لغرض في نفسه حول البرلمان وتشكيلته الدينية الغالبة.. وبمرور الوقت تواصل الأداء العجيب والهزيل والضعيف الذي كان عليه هذا البرلمان.. ولكن لم نكن نتخيل أن نبوءة الأخ إسحاق سوف تتحقق بهذه السرعة!
لاشك أن عناصر جيدة كانت موجودة في هذا البرلمان لديهم من الألمعية السياسية والعلم والمعرفة السياسية التي تؤهلهم لأن يعودوا مرة أخري إلي قبة البرلمان في فرصة أخري جديدة تثري العمل البرلماني والتشريعي في مصر.. ولكن هناك وجوه أخري كثيرة ابتلينا بها وأظن أنه من الصعوبة أن يعودوا مرة أخري إلي البرلمان فالشعب المصري واع وهو في مجموعه مؤمن بالفطرة وليس بالسياسة ولا أتصوره سوف يلدغ من جديد.
***
بديل الشوري جاهز
أتصور أن حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان القانون الذي تم علي أساسه انتخاب مجلس الشعب وبالتالي مجلس الشوري الذي لابدأن يلقي نفس المصير.
هذا الحكم سوف يعفي أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من الحرج عند النظر في مدي حاجة الوطن إلي هذا المجلس النيابي الذي لا يمتلك من السلطة التشريعية ما يكفل له استمراره علاوة علي تكلفته الباهظة التي لا يجب أن تتحملها موازنة دولة فقيرة مثل بلدنا.
أعتقد أن البديل جاهز وهو المجالس القومية المتخصصة بكل عقول مصر ورجالاتها أصحاب الكفاءة والخبرة والتجرد والبعد عن المصالح السياسية والحزبية الضيقة التي يمكن أن تضر بالوطن.
ليست هذه شجاعة بأثر رجعي.. ولكنها المصلحة الوطنية التي يجب أن نولي نحن جميعاً وجوهنا شطرها.

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
1	2	3	4	5	6	7
8	9	10	11	12	13	14
15	16	17	18	19	20	21
22	23	24	25	26	27	28
29	30

مصر فوق منصب الرئيس

مصر فوق منصب الرئيس

مصر فوق منصب الرئيس :: تعاليق