افراح .......ولكن

كان المفروض أن نفرح .. فغلبنا الحزن .. كان المفروض أن نطمئن فتملكنا
الخوف .. كنا نتوقع عرساً للديمقراطية تتصدره أم الدنيا المحروسة في كتاب
الله وبأمره .. فصدمنا بمأتم تنهمر فيه دموع الأم التي نسيناها في خضم
الصراع المحموم علي السلطة وتفرغنا للتخوين والترهيب والتهديد والوعيد
رافعين نفس الشعار الذي رفعه الرئيس السابق قبل التنحي بعد تحويره وتغييره
وتعديله ليصبح ثورياً ودموياً : أنا أو دماء تسيل انهاراً.

هذا هو المشهد المؤلم حتي لحظة كتابة هذه الكلمات مساء الخميس الماضي
وبعد قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بتأجيل تسمية الفائز برئاسة
مصر لإتاحة الوقت الكافي لدراسة الطعون المقدمة من المرشحين .. وقبل أن
استطرد في رسم تفاصيل المشهد والتي قادتني كما قادت كثيرين غيري إلي حالة
من انعدام الطمأنينة أظنها سوف تلازمنا طويلاً .. حتي بعد استطلاع هلال
الرئيس وإعلان نتيجة الامتحان الذي شهدت لجانه خواء واحجاماً عزوفاً لا
يليق بالحدث .. ولا يمنح الرئيس المنتخب سنداً شعبياً كافياً يجعله قادراً
علي قيادة سفينة الوطن بثقة التفويض الواسع .. أقول قبل ذلك وبعده وبكل
الاخلاص والصدق أنني مع ما سوف تعلنه أو ربما أعلنته بالفعل لجنة
الانتخابات قلباً وقالباً .. حتي ولو كان الرئيس هو من لم اختره ولم
أتمناه.

أقول بكل الصدق أنني ومنذ اللحظة التي سيعلن رسمياً فيها اسم الفائز في
السباق الرئاسي سأصبح من مؤيديه بعد أن كنت من معارضيه .. وسأمد له يدي
كما يجب أن نفعل جميعاً .. باعتباره رئيساً لكل المصريين يحمل أمانة العمل
علي تحقيق أحلامهم وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم ومواجهة تلال الفساد التي
تراكمت وإعادة الحياة إلي الخدمات الأساسية التي انهارت .. وإعادة المكانة
إلي الوطن الذي تهاوت مكانته وتراجعت ريادته واهتزت صورته .. ليس في
عالمنا العربي وحده بل في شتي بقاع الأرض .. لنبدأ سوياً بصدق وحب وانكار
للذات أول خطوة صحيحة علي طريق المستقبل .. فإذا كنا نحلم بفرصة عمل لكل
عاطل ومسكن لكل شاب وعلاج إنساني كريم لكل مريض ووطن نفخر به ويفتخر بنا ..
وطن يسابق الزمن علي طريق التقدم الحقيقي ويعلي قيمة المواطنة وينتصر
للعلم والعلماء ويكرس سيادة القانون .. فليس أمامنا علي طريق التقدم
الحقيقي ويعلي قيمة المواطنة وينتصر للعلم والعلماء ويكرس سيادة القانون ..
فليس أمامنا من سبيل سوي التعاون المطلق مع رئيس مصر وقائد سفينتها .. فقد
انتهي السباق وقالت الصناديق كلمتها الحاسمة.

هذا هو فهمي للديمقراطية : الاحترام المطلق لإرادة الأغلبية الشعبية ..
ونسيان كل ما قبل لحظة جلاء الحقيقة من مساجلات ومشاحنات واتهامات
وتجاوزات وتهديدات وتخويف وترويع .. باعتبارها أموراً ربما تبررها حدة
التنافس وطبيعة السباق الذي لم نعش مثله من قبل .. لنبدأ صفحة جديدة تعلو
كل ما سبقها وتجب ما قبلها.

هذه الحقيقة لا يجب أن تنسينا أن ما حدث خلال السباق الرئاسي تضمن
تجاوزات مخيفة يجب أن نتدارسها ونستوعب تداعياتها ونفكر في دلالاتها ..
تجاوزات وصلت إلي حد التلويح بإراقة الدماء إذا لم يفز مرشح بعينه ..
تجاوزات نالت من القضاء في أعلي مستوياته وأهانت سيادة القانون وبشرت
بالغوغائية .. تحضرني هنا واقعة قيام نائب سابق بمجلس الشعب الذي أصبح
منعدما بحكم البطلان الدستوري لقانون انتخابه باطلاق تهديدات مخيفة وغير
مسئولة في مداخلة تليفزيونية : "إذا لم يتراجع المجلس العسكري عن حل مجلس
الشعب فستتحول مصر كلها إلي دماء" .. النائب المحترم اعتبر أن المجلس
العسكري هو من حل مجلس الشعب وليس المحكمة الدستورية العليا .. ووجه اهانة
مؤسفة للقضاء عندما اعتبر أن الحل قرار عسكري وليس حكماً دستورياً .. وهو
قول دلالاته شديدة الخطورة.

ومشهد آخر لا يقل خطورة .. بل أتصور أننا لو كنا في دولة تعلي سيادة
القانون وتحترمه لكان كفيلاً بإلغاء الانتخابات برمتها واستبعاد قائلة من
السباق .. عندما أعلن أحد المرشحين في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام ولا
أكاد أصدقها ولا أريد .. أنه تلقي تطمينات من مئات القضاة بسلامة
الانتخابات وعدم حدوث تزوير .. ليصم ربما عن غير قصد أو ادراك هؤلاء المئات
من القضاة بشبهة عدم الحياد .. لأن القاضي المؤتمن علي أهم حدث في تاريخ
مصر عندما يتصل بأحد المتنافسين لأي سبب حتي ولو كان لمجرد طمأنته أو
الاطمئنان عليه يكون قد فقد حياده .. وعلي الرغم من أن الرواية بكاملها قد
لا تكون صحيحة .. وبرغم الشكوك التي تحوم حول امكانية اتصال مئات أو عشرات
أو حتي أحاد القضاة بالمرشح المعني إلا أن تصريحه هذا يمثل سابقة شديدة
الخطورة .. لأن الصدق في الرواية يعني كارثة والكذب فيها كارثة أكبر وأخطر.

وكان التلويح باستخدام القوة وإرقة الدماء إن فاز هذا المرشح أو ذاك هو
أخطر ما في المشهد من حيث نتائجه وتدعياته .. فإن فاز هذا المرشح فهي
الفوضي العارمة والعنف الذي يحرق الأخضر واليابس .. وإن فاز الآخر فتوقعوا
انقلابا عسكرياً وصداماً دموياً وارتداد عن المكتسبات التي لم تتحقق
والأهداف التي لم نعد نعرفها .. والأمثلة كثيرة .. وما يعنينا هو الا نغض
الطرف عن التجاوزات التي تضمنت تلويحاً بالعنف أو تلك التي نالت من هيبة
مؤسسات الدولة وعلي رأسها القضاء حتي لا يتحول ذلك إلي سلوك دائم يهدد
الاستقرار ويكرس التطاول علي الدولة والاستخفاف بالقانون.

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
1	2	3	4	5	6	7
8	9	10	11	12	13	14
15	16	17	18	19	20	21
22	23	24	25	26	27	28
29	30

افراح .......ولكن

افراح .......ولكن

افراح .......ولكن :: تعاليق